جاء في حديث أبي هريرةtالذي أخرجه أبو داود (4940) ، وابن ماجه (3765)، وابن حبان (5874) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/190 ، وفي "الشعب" (6535) من طرق عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة t، أَنَّالنَّبِيَّ r، رَأَى رَجُلاً يَتْبَعُ حَمَامَةً ، فَقَالَ:
"شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً"
.وهذا الحديث في إسناده محمدبن عمرو بن علقمة أبو عبد الله الليثي المدني, روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, قال ابن معين: مرة ما زال الناس يتقون حديثه, وقال السعدي: ليس بالقوى وغمزه الإمام مالك, وقال ابن المديني: سألت يحيى يعني القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة كيف هوقال تريد العفو أو تشدد قلت بل أتشدد قال فليس هو ممن تريد. انظر : الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3 / 88) ولما سُئِلَ الدارقطني عن هذا الحديث كما في العلل307/14" قال: يرويه محمد بن عمرو واختلف عنه؛ فرواه عبد الله بن عامر بن زرارة عنشريك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها. وخالفه منجاب رواه عن شريك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلاً. وقيل: عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمروعن أبي سلمة عن أبي هريرة والمرسل أصح.
وقال الحافظ ابن حجر: محمد بن عمرو صدوق، وحديثه في رتبة الحسن إذا لم يكن له متابع. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (19731) من طريق محمد بن أبي ذئب، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، مرسلا.
وفي الباب عن عثمان بن عفان في مصنف عبد الرزاق (19733) ، وإسناده منقطع. وعن أنس بن مالك في سنن بن ماجه(3767)، وإسناده ضعيف.
وجميع الأحاديث الواردة في الباب واهية، لا تصلح ولاتقوى للاحتجاج، سوى حديث :" شيطان يتبع شيطانة"، ولهذا قال ابن القيم كما في"المنار المنيف" 1/170: وأرفع شيءٍ جاء فيها حديث: " أنه رأى رجلاً يتبع حمامة فقال:" شيطان يتبع شيطانة".
والأصل في تربية الحمام مباح، إذا كان القصد من ذلك الإنتفاع منها كأكل فراخها، والاستئناس بها, أو المتاجرة بها، أو لاستعمالها في إرسال الرسائل، وتبليغ الأخبار، كما هو الشأن في السابق، فإنهم كانوا يبعثون بالرسائل والأخبار إلى الأمصار والبلدان عن طريق الحمام، وقد نص الفقهاء من المذاهب الأربعة على عدم الكراهة في هذه النوع من الاستعمال.
وجاء في"روضة الطالبين" للنووي رحمه الله226/11:فرع : اتخاذ الحمام للفرخ، والبيض، أو الأنس، أو حمل الكتب جائز بلا كراهة؛ وأما اللعب بها بالتطيير، والمسابقة فقيل: لا يكره، والصحيح أنه مكروه، ولا ترد الشهادة بمجرده، فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت.
وقال صاحب "المبسوط السرخسي" 6/371 رحمه الله : فأما إذا كان يمسك الحمام فيبيته يستأنس بها ولا يطيرها عادة فهو عدل مقبول الشهادة، لأن إمساك الحمام في البيوت مباح، ألا ترى أن الناس يتخذون بروج الحمامات ولم يمنع من ذلك أحد.اهـ.
وقال الشوكاني رحمه الله في" نيل الأوطار",173/8معلقاً على حديث:" شيطان يتبع شيطانة " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ، وَأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ،وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يَبْعُدُ عَلَى فَرْضِ انْتِهَاضِ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ فَاعِلِهِ شَيْطَانًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَتَسْمِيَةَ الْحَمَامَةِ شَيْطَانَةً إمَّا لِأَنَّهَاسَبَبُ اتِّبَاعِ الرَّجُلِ لَهَا أَوْ أَنَّهَا تَفْعَلُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ حَيْثُ يَتَوَلَّعُ الْإِنْسَانُ بِمُتَابَعَتِهَا وَاللَّعِبِ بِهَا لِحُسْنِ صُورَتِهَا وَجَوْدَةِ نَغْمَتِهَا, انتهى.
وَقالَ الإمامُ ابن قدامة في "المغني"12/36 وَاللاعِبُ بِالْحَمَامِ يُطِيرُهَا، لا شَهَادَةَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ, وَكَانَ شُرَيْحٌ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَصَاحِبِ حَمَّامٍ وَلَا حَمَامٍ؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ وَقِلَّةُمُرُوءَةٍ، وَيَتَضَمَّنُ أَذَى الْجِيرَانِ بِطَيْرِهِ، وَإِشْرَافِهِ عَلَى دُورِهِمْ، وَرَمْيِهِ إيَّاهَا بِالْحِجَارَةِ وَإِنْ اتَّخَذَ الْحَمَامَ لِطَلَبِ فِرَاخِهَا، أَوْ لِحَمْلِ الْكُتُبِ، أَوْ لِلأُنْسِ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَذًى يَتَعَدَّى إلَى النَّاسِ، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ,انتهى.
وقال النووي رحمه الله تعالى: اتخاذ الحمام للفرخ والبيض أو الأنس أو حمل الكتب جائز بلا كراهة وأما اللعب بها للتطير فالصحيحأنه مكروه فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت الشهادة. انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاةالمصابيح
(13 / 247)
وقال الكاسائي رحمه الله تعالى: في بدائع الصنائع 6/269
والذي يلعب بالحمام فإن كان لا يطيرها لاتسقط عدالته, وإن كان يطيرها تسقط عدالته; لأنه يطلع على عورات النساء, ويشغله ذلكعن الصلاة والطاعات" انتهى.
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله: عَنْ اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ؟ في مجموع الفتاوى (32 / 246) فَأَجَابَ:"اللَّعِبُ بِالْحَمَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ, وَمَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ فَأَشْرَفَ عَلَى حَرِيمِ النَّاسِ أَوْ رَمَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ فَوَقَعَتْ عَلَى الْجِيرَانِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ تَعْزِيرًا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ عَلَى الْجِيرَانِ, مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اللَّعِبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "الطرق الحكمية"1/408 :
( فَصْلٌ ) وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اللَّاعِبِينَ بِالْحَمَامِ عَلَى رُؤوسِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَتَوَسَّلُونَ بِذَلِكَ إلَى الْإِشْرَافِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَائِمِ الطَّيَّارَةِ: لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَذُوقَ أَلَمَ الْفَقْرِ.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍقَالَ:" شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِt يَأْمُرُ بِالْحَمَائِمِ الطَّيَّارَةِ فَيُذْبَحْنَ، وَيَتْرُكُ الْمُقَصَّصَاتِ ". أخرجه البيهقي في السنن "الكبرى " 10 / 213من رواية سعدان بن نصر حدثنا روح بن عبادة عن أسامة بن زيد به.
1-يونس بن عبيد: رواه معمر بن راشد في"الجامع " 11 / 3 وعبدالرزاق مصنفه، وابن أبي شيبة في " مصنفه " 4 / 263 ،والبيهقي في " السنن الكبرى " 6 / 7.
2-يوسوروى الإمام أحمد في مسنده 1/543 من رواية مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن، قال :"شَهِدْتُ عُثْمَانَ يَأْمُرُ فِي خُطْبَتِهِ بِقَتْلِ الْكِلابِ وَذَبْحِ الْحَمَامِ".وفي سنده ضعيف فيه مبارك بن فضالة قال عنه النسائي:ضعيف، وقال أبوزرعة يدلس كثيراً, فإذا قال حدثنا فهو ثقة, وقال الدارقطني: لين كثير الخطأ يعتبر به ، وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق يدلس ويسوي . ثم إن مبارك صرّح بالسماع فانتفت علة التدليس، فإسناده حسن، وقد توبع مبارك بن فضالة عليه، تابعه:
ف بن عبدة : رواه البخاري في " الأدب المفرد"(1301) ، وإسناده ضعيف,فيه يوسف لين الحديث.
ولهذا كان بعض أهل الحديث يعيب اللعب بالحمام ؟!
قال عبد الخالق بن منصور وسألت يحيى بن معين: عن معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع فقال: لم يكن من أهل الحديث لا هو ولا أبوه كان يلعب بالحمام.! انظر: تهذيب الكمال,( 329/28) تهذيب التهذيب 10/224.
لكن الكراهة كما قال البيهقي محمولة عند بعض أهل العلم على إدمان صاحب الحمام على إطارته والاشتغال به وارتقائه السطوح التي يشرف منها على بيوت الجيران وحرمهم , انتهى.
والله تعالى أعلى وأعلم