ظليل الملائكة عبد الله بن عمرو بن حرام الذى سد الله عنه دينه
عبد الله بن عمرو بن حرام
كان وقته كله منشغلاً بعبادة الأصنام مع صديقه عمرو ابن الجموح وإذا بنفر من حُجاج يثرب يقدمون من مكة وقد أسلموا وأخذوا يحدثون الناس عنالحبيب صلى الله عليه وسلم وعن هذا الدين العظيم الذى لا يأمر إلا بمكارم الأخلاق والآداب وبصلة الرحم ولكن عبد الله لم ينشغل بهذا الأمر ولم يُلق له بالاً
وبعد مرور سنة بأكملها جاء إثنى عشر رجلاً من أهل يثرب ومعهم سفير الإسلام " مصعب بن عمير " رضى الله عنه الذى قام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فأراد الله أن يفتح قلوب الكثير للإسلام ومن بين هؤلاء كان جابر بن عبد الله وهو إبن " عبد الله بن عمرو بن حرام "
قصة إسلامه
يقول كعب بن مالك رضى الله عنه خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التى واعدنا رسول الله لها أخذنا عبد الله بن عمرو معنا وأبلغناه بموعدنا مع الرسول الكريم
قال : فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيباً
وهكذا أسلم " عبد الله " ووضع يده فى يد الحبيب صلى الله عليه وسلم وبايعه
وأراد النبى من أصحاب بيعة العقبة أن ينتخبوا من بينهم اثنى عشر زعيماً يكونوا نقباء على قومهم ، فكان " عبد الله بن عمرو بن حرام " من نُقباء الخزرج.
وعاد عبد الله بن عمرو بن حرام وإبنه جابر من بيعة العقبة إلى المدينة ووضع نفسه وماله وأهله فى سبيل الله وفى خدمة الإسلام ودعا صديقه " عمرو بن جموح إلى نبذ الأصنام فأسلم وإستطار قلب عبد الله فرحاً به ..
شوقه لرؤية الحبيب
كان عبد الله يشتاق لرؤية الحبيب مرة أخرى . فلما اذن الله سبحانه وتعالى للنبى بالهجرة إلى يثرب" المدينة" فرح عبد الله فرحاً شديداً وذهب لإستقباله على أول يثرب وظل ملازماً له ينهل من هديه وعلمه وأخلاقه إلى أن خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر فكان " عبد الله " من المسارعين إليها
جهاده فى سبيل الله جاهد بقدر إستطاعته فى غزوة بدر وكأنه يبحث عن الشهادة فيها وإنتهت الغزوة وعاد عبد الله سالماً
وجاءت غزوة أُحد التى كان سببها هو إنتقام قريش من المسلمين ثأراً لقتلاهم فى غزوة بدر وأشار النبى صلى الله عليه وسلم على أصحابه هل يبقوا بالمدينة أو يخرج لملاقاتهم خارجها فأشاروا عليه أن يخرجوا لهم وهذا كان رأى شباب الأنصار وخرج المسلمون لقتالهم وكان على رأسهم " عبد الله " الذى كان فى هذه الغزوة على موعد مع الشهادة فى سبيل الله .
وكأنه كان يشعر بهذا الموعد فأراد أن يوصى إبنه جابر " بقضاء دينه الذى عليه .
الله يسد دينه
عن جابر رضى الله عنه قال : لما حضر "أحد : دعانى أبى من الليل فقال : ما أرانى إلا مقتولاً فى أول من يُقتل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وإنى لا أترك بعدى أعز علىّ منك غير نفس رسول الله ، وإن علىّ ديناً فاقض واستوص بإخواتك خيراً .....فأصبحنا فكان أول قتيل، ودُفن معه آخر فى قبر ثم لم تطب نفسى أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أُذنه "
وفى رواية : أن جابر رضى الله عنه قال : فقلت : يا رسول الله إن أبى ترك ديناً عليه وليس عندى ما أفيه به إلا ما يخرجه ثمر نخيله ، ولو عمدت إلى وفاء دينه من ذلك الثمر لما أديته فى سنين ولا مال لإخواتى أنفق عليهن منه غير هذا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى معى إلى بيدر" الموضع الذى يكوم ويجمع فيه التمر" وقال لىّ " أدعُ غُرماء أبيك فدعوتهم فما زال يكيل لهم منه حتى أدى الله عن أبى دينه كله من تمر تلك السنة . ثم إنى نظرت إلى البيدر فوجدته كما هو كأنه لم ينقص منه تمرة واحدة .
موقفه من رأس المنافقين
لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الشباب فى الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة غضب رأس المنافقين عبد الله بن أُبى بن سلول وأخذ ثلث الجيش وعاد
فحاول عبد الله بن عمرو بن حرام أن يُثنيهم عن الرجوع مع رأس المنافقين فأبوا وقالوا " لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنا لا ترى أنه يكون قتال ، قال : فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف قال : أبعدكم الله ، أعداء الله سيغنى الله عنكم نبيه "
الملائكة تظلله بأجنحتها
وها هى الملائكة تتنزل على هذا الصحابى الجليل بأمر من الله سبحانه وتعالى لتظله بأجنحتها بعد موته .
فعن جابر بن عبد الله قال : لما كان يوم أُحد ،جئ بأبى مُسجى - مغطى وقد مُثل به ، قال :فأردت أن أرفع الثوب فنهانى قومى ، ثم أردت أن أرفع الثوب فنهانى قومى ، فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر برفعه فسمع صوت باكيه او صائحه فقال : " من هذه" فقالوا : بنت عمرو أو أخت عمرو.فقال : " ولم تبكى ؟ فما زالت الملائكة تُظله بأجنحتها حتى رُفع "
الله يكلمه بغير حجاب
وها هى أعظم منقبة لهذا الصحابى فلقد كلمه الله بعد موته وليس من وراء حجاب فعن جابر بن عبد الله بن عمرو ابن حرام قال : لما قُتل عبد الله بن عمرو يوم أخد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك ؟ " قلت : بلى ، قال:"ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحاً" أى ليس بينهما حجاب ولا رسول وهذا بعد موته أما قبله فلا
فقال يا عبدى تمنّ علىّ أُعطك ، قال يا رب تحيينى فأُقتل فيك ثانيةً. قال : إنه سبق منى " أنهم لا يُرجعون " قال يا رب فأبلغ من ورائى " فأنزل الله عز وجل هذه الآية : " ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون "
لقاء الأحبة بعد الشهادة
قال ابن إسحاق : عن أشياخ من بنى سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى : "انظروا إلى عمرو بن جموح ، وعبدالله بن عمرو بن حرام فإنهما كانا متصافيين فى الدنيا فاجعلوهما فى قبرٍ واحد "
وهكذا رحل هذا الشهيد الحى الذى كلمه ربه بغير حجاب ليجمعه الله فى الآخرة مع حبيبه وقرة عينه محمد صلى الله عليه وسلم فى جنته ومستقر رحمته لتكتمل سعادته فى الدنيا والآخرة " فرضى الله عن " عبد الله بن عمرو بن حرام " وعن سائر الصحابة أجمعين
ظليل الملائكة عبد الله بن عمرو بن حرام 
موضوع: ظليل الملائكة عبد الله بن عمرو بن حرام 
