خلق الانسان هلوعا ، وخلق الانسان من عجل ، لكن الذي يحوي هذا الانسان أعجل ، وكبد الانسان في حياته وشقاؤه فيها او نعيمه ما هي الا كلمح بالبصر ، ولحظة من قدر ، وساعتها سيوقن الانسان انه ما رأى نعيما قط ، او ما رأى شقاءا قط . معادلة يفهمها كل بشر على وجه هذه البسيطة ،سواء كان من العالم الاول او الثالث او من لم تلحق به الارقام ، سواء عاش قبل التاريخ او بدايته او كان في هذا العصر الذي نعيش ، هذه المعادلة الفطرية في الانسان الا وهي انه لا بد وستأتي لحظة نهايته ويوم موته وساعة فراقه لهذه الحياة . وقديما قالت العرب كل آت قريب والبعيد ما ليس بات ، فهذا الموت آلات لا شك انه قريب واقرب من شراك نعلنا ولربما كان في الخطوة التالية من سيرنا ، فاحذر في سيرك ،وامش سريعا لكن في حذر وتؤده . ويأتي النذير على حين غفلة صاعقا لاهل الغفلة ، أن قد حييت طويلا ومضيت في عمرك سنينا فأين انت مم أملت ان تكون وماذا كنت في هذا الكون ،وما هي تلك الايام التي تستطيع ابرازها في شريط حياتك ،واين هي بصماتك - تلك التي ليس لها مثيل - اين هي على صفحة التاريخ وعلى سفر الزمن . اُذهل وأًصعق احيانا عندما اقوم بمراجعة ذكرياتي وفيما كنت وفيما وصلت اليه ،وانا اذكر او لا اذكر الايام والدقائق التي يسجلها علي عدّاد الزمن . الساعات والدقائق التي اعيشها هي نفسها الساعات والدقائق التي يعيشها غيري ، بينما العظماء في كل عصر دقائقهم وساعاتهم ليست كالتي يحياها ويتنفسها الاخرون . فهناك عظاما أحالوا دقائقهم الى شأن عظيم ،وصنعوا من شخوصهم ظلا للزمن يعيش طويلا طويلا مستمرا قدر قدرته على التشبث بأهداب الزمن وقوته في فرض اسمه وعمله على صفحات الزمن .
اني اخشى ذلك اليوم الذي اجلس فيه من غير وقوف حاملا قلمي جاهدا في تثبيته بين اصابعي من بعد سقوطه مرارا ،تلك الساعة التي اكونا شرفت على مهجعي الاخير مودعا سيري الطويل او القصير ،ساعتها هل سأستطيع الكتابة ،وهل ستسعفني ذاكرتي لأجود بقلمي وهل ستنحدر كلمات العز والفخار من القلم. اني لارجو الله ان يكون قلمي رجلا شديدا ،بطلا صنديدا ،يمسكون الاجيال من بعدي يكتبون به من غير كلل ويجود لهم حنين كل مشتاق وعشق كل محب وبطولة كل مجاهد ،،والله اسأل ان تكون دمائي تلك المداد التي ترسم بها احرف التاريخ على ورق الواقع ،وان تكون دمائي ذاك الوقود الذي يبقي على جذوة الامل متقدة ،وقبس الحماس مشتعل .