قيمة الكلمة تتحدد بمقدار مفعولها على المتلقي وقدرتها الخلاقة على تغيير فكر الانسان وحياته، وكلما كان الكاتب مؤمناً بأفكاره كانت كلماته ممغنطة بطاقة مغناطيسية تجتذب المتلقي، ولهذا فالكتابة مزيج مكوّن من المشاعر والفكر والارادة، ان تؤمن بفكرة وتتفاعل بها وتتحمس لها يعني هذا شخصيتك وبصمتك وبالتالي واقعك. ولهذا قيل ان الكلام النابع من القلب يدخل الى القلب فالحالة النفسية للكاتب تعطي الكلمة زخماً شعورياً وطاقة حرارية تشع في قلب المتلقي فيجد نفسه مأخوذاً بسحرها مفتوناً بمعناها مدفوعاً لترجمتها الى فعل وحقيقة. والكلمة تعبر عن مناخ الكاتب ووضعه النفسي ومزاجه لأنها انعكاس حقيقي لباطنه فعندما يكتب يشعر ان داخله يتنفس، يتجدد، يبكي، يفرح، يتألم ففي مداده تختلج الاحرف وترتعش الكلمات لأنها عصارة قلبه، ذوب روحه، احتراق دمه، وكأنما القلم فوهة بركان تضطرم في جوفه الحمم فتنفجر في البوح، وعندما تتنفس رئة الكاتب جمراً تشتعل في الكيان الهامد حياة اذ تتجدد دورة العقل الساكنة بالتفكير والنقد فيحدث هنا تمرد ويحدث هناك ثورات سلمية كانت أو حربيّة، فكل حراك مصدره فكرة اضرم فتيلها كلمة ملغومة بديناميت مشاعر ملتهبة، فليس عجباً ان يفوق مداد العالم دماء الشهداء، لأن الكلمة تنحت الباطن وتستحوذ التفكير فتذوب في الدم المتوارث جيلاً بعد جيل، فالكاتب مسؤول عن بناء الامة ومسؤول ايضاً عن دمارها، فحينما تخبث سريرة كاتب ويفسد باطنه وينحل فكره فأن حراب كلماته المسمومة تطعن قلب الامة وتميتها جيلاً بعد جيل، والعكس عندما تستنير الامة بنور كلمات تسطع قيماً ومبادئ من قريحة كاتب اتخذ قلمه سلاح حق فأن شروق النهضة يتجدد فاذا بالأمة تنمو وتتطور وتقارع بإنجازاتها باقي الامم. ولهذا ينبغي على الكاتب أن يغيّر ذاته ويراقب نفسه ويجدد فكره ويستزيد من علمه ويطهر باطنه لتصفو كلماته وتنقى فتشع للامة ذبذبات ايجابية مؤثرة وفعّالة. يقول الاديب العملاق ( أرنست همنغواي): (ان إدارة الإرادة للنصر لا تكون بتحريك المخزون النووي ولكن بتحريك مخزون الاقلام)