مقالٌ قيم؛ عسى أن ننفع منهِ جميعًا. بِرّ الصّحابة رضي الله عنهم بِوالِديهم بعد الموت: رَوى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عُبادة رضي الله عنه تُوفّيت أمّه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله إن أُمّي تُوفّيت وأنا غائب عنها ، أينْفَعها شيء إن تَصَدّقت به عنها ؟ قال : نعم . قال : فإني أُشْهدك أن حَائطي الْمِخْرَاف صَدقة عليها . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن أمي افْتُلِتَت نَفسها ولم تُوصِ ، وأظنّها لو تَكَلّمت تَصَدّقت ، أفَلَها أجْر إن تَصَدّقت عنها ؟ قال : نعم . رواه البخاري ومسلم . قال النووي : افْتُلِتَت : أي : مَاتَت بَغْتَة وفَجْأة . اهـ . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رَجُلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي مات وتَرَك مالاً ولم يُوصِ ، فهل يُكفّر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال : نعم . رواه مسلم . ورَوَى عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رَجُلا مِن الأعراب لَقِيه بِطريق مكة ، فسلّم عليه عبد الله ، وحَمَلَه على حِمَار كان يَركَبه ، وأعطاه عِمَامة كانت على رأسه . قال ابن دينار : فقلنا له : أصلحك الله إنهم الأعراب ، وإنهم يَرضَون باليسير. فقال عبد الله : إن أبَا هذا كان وُدّا لِعمر بن الخطاب ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أبَر البرّ صِلة الوَلَد أهل وُدّ أبيه بعد أن يُولّي ، وإن أبَاه كان صَدِيقا لعُمَر . رواه مسلم . وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : إني تَصدّقت على أُمّي بِجَارية ، وإنها ماتت . قال : فقال : وَجَب أجْرك وردّها عليك الميراث . قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر ، أفأصوم عنها ؟ قال : صُومي عنها . قالت : إنها لم تحج قطّ ، أفأحُجّ عنها ؟ قال : حُجّي عنها . رواه مسلم . وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رَجُل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أُمّي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقْضِيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمِّك دَين أكنت قاضِيه عنها ؟ قال : نعم . قال : فَدَيْن الله أحق أن يُقضَى . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أُمّي ماتت وعليها صوم نذر ، أفأصُوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين فقَضَيتيه ، أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت : نعم . قال : فصُومي عن أُمّك . قال القرطبي : رَوى أبو داود أن سَعدا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي الصدقة أعجب إليك ؟ قال : الماء . وفي رواية : فَحَفَر بِئرا ، فقال : هذه لأمّ سعد . وعن أنس قال : قال سَعد : يا رسول الله ، إن أمّ سعد كانت تُحِبّ الصدقة ، أفيَنْفَعها أن أتَصَدّق عنها ؟ قال : نعم ، وعليك بالماء . وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر سعد بن عبادة أن يَسقِي عنها الماء . فَدَلّ على أن سَقْي الماء مِن أعظم القُرُبات عند الله تعالى . وقد قال بعض التابِعِين : مَن كَثُرَت ذُنُوبه فَعَلَيه بِسَقْي الماء . وقد غَفَر الله ذُنُوب الذي سَقَى الكَلْب ، فكيف بِمَن سَقَى رَجُلاً مُؤمِنا مُوَحّدا وأحْيَاه.(الجامع لأحكام القرآن).