حياكم الله في منتديات واحة الإسلام.... تشرفنا زيارتكم.... يزدنا تألقا انضمامكم لاسرتنا.... نعمل لخدمتكم ...فمنتدياتنا صدقة جارية لاجلكم فحياكم الله ونزلتم اهلا وحللتم سهلا
كلمة الإدارة
 
 

 
 
 
 

منتديات واحة الإسلام :: أقسام القرآن الكريم و السيرة النبوية :: واحة الأحاديث النبوية و القدسية

كاتب الموضوع wissam مشاهدة صفحة طباعة الموضوع  | أرسل هذا الموضوع إلى صديق  |  الاشتراك انشر الموضوع
 المشاركة رقم: #
تم النشر فى :20 - 05 - 2020
wissam
Admin
Admin
تواصل معى
https://wahetaleslam.yoo7.com
البيانات
عدد المساهمات : 18291
السٌّمعَة : 21
تاريخ الميلاد : 16/04/1968
تاريخ التسجيل : 29/07/2016
العمر : 56
العمل/الترفيه : ربة منزل
تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3) Emptyموضوع: تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3)

تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3)
د. خالد بن منصور الدريس

تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف (3)







ثانياً: أحمد بن حنبل:

سرد الحافظ ابن رجب الحنبلي بعض النصوص التطبيقية للإمام أحمد محتجاً بها على أنه لا يقبل تفرد الثقة، فقد قال بعد أن نقل كلام البرديجي السابق في تعريف (المنكر): (وهذا كالتصريح بأنه كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يُعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر، كما قاله الإمام أحمد في حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في(النهي عن بيع الولاء وعن هبته)[1].





وهذا التعميم عندي فيه بعض النظر؛ إذ مقتضاه أن الإمام أحمد لا يحتج بتفرد الثقة مطلقاً ولو لم يخالف، وهذا فيه ما فيه كما سيظهر في بعض الأمثلة الآتية.








(النص الأول): تكلم الإمام أحمد في حديث (نهى عن بيع الولاء وعن هبته) فقال: (لم يُتابع عبدالله بن دينار عليه)، قال ابن رجب: (وأشار إلى أن الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولاء لمن أعتق) لم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته[2].








قلتُ: وروى نافع عن ابن عمر من قوله النهي عن بيع الولاء وعن هبته، غير مرفوع، وهذا مما يعلل به عبدالله بن دينار)[3].








وعبدالله بن دينار ثقة مستقيم الحديث عند الإمام أحمد[4]، وعند غيره، ولكن استنكار الإمام أحمد- فيما يظهر لي- راجع إلى ما ذكره ابن رجب من مخالفة وليس لمجرد التفرد فقط.








وحديث عبدالله بن دينار في الصحيحين[5]، وكذلك حديث نافع[6](الولاء لمن أعتق) فيهما أيضاً، وأحمد يقدم نافعاً على ابن دينار، ويرى أنه أكبر وأقوى منه[7]، ولهذا رجح روايته.








فلا يستقيم احتجاج ابن رجب في النص السابق بكلام أحمد على هذا الحديث على أن تفرد الثقة يعد منكراً؛ لأن الثقة قد خولف ممن هو أقوى عند الإمام أحمد ولذا تكلم في تفرده.








ويشبه ما تقدم قول ابن رجب بعد كلامه السابق: (وكذا قال أحمد في حديث مالك عن الزهري عند عروة عن عائشةSadإن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا حين قدموا لعمرتهم، وطافوا لحجهم حين رجعوا من منى)[8].








قالSadولم يقل هذا إلا مالك)، وقالSadما أظن مالكاً إلا غلط فيه، ولم يجيء به أحد غيره)، وقال مرةSadلم يروه إلا مالك، ومالك ثقة).








ولعل أحمد إنما استنكره لمخالفته الأحاديث في أن القارن يطوف طوافاً واحداً)[9].








ولهذه العلة التي أبانها ابن رجب فلا يستقيم له الاستدلال بالنص الآنف على دعواه؛ لأن الثقة تفرد هنا بشيء خولف فيه ممن هو أولى منه من حيث العدد كما هو ظاهر العبارة.








(النص الثاني): قال عبدالله بن أحمد: (سألتُ أبي: ما الذي يعتمد عليه في مواقيت الصلاة من الأحاديث التي جاءت؟ وأي حديث أقوى؟ والحديث الذي روى ابن المبارك عن الحسين بن علي عن وهب بن كيسان عن جابر ما ترى فيه؟ وكيف حال الحسين؟







فقال أبي: (أما الحسين، فهو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روى في المواقيت حديث ليس بالمنكر، لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره)[10].








والحسين هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب-رضي الله عنهم- ويقال له: حُسين الأصغر، وثقه النسائي وابن حبان[11]، والحديث رواه الحسين عن وهب عن جابر في إمامة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم لبيان مواقيت الصلوات الخمس[12].








قال الترمذي: (وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو ابن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم )[13].








وقد فسر ابن رجب كلام أحمد بقوله: (وإنما قال الإمام أحمد ليس بالمنكر لأنه قد وافقه على بعضه غيره، لأن قاعدته: أن ما انفرد به ثقة فإنه يتوقف فيه حتى يُتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والإتقان)[14].





وفي هذا النص تقييد مهم جداً من ابن رجب لما أطلقه في (شرح علل الترمذي) من أن أحمد يعد تفرد الثقة منكراً ما لم يتابع عليه، ولا شك أن حسيناً الأصغر وإن وثق فليس هو ممن اشتهر بالضبط والإتقان كمالك والزهري وشعبة وسفيان الثوري وغيرهم، فلابد من الانتباه لهذا القيد لأهميته.

(النص الثالث): ذكر ابن رجب عن الإمام أحمد نصوصاً تفيد أنه يطلق النكارة على تفرد رواة أُخرج لهم في الصحيحين، مما يعني أنه يستنكر تلك التفردات ولا يقبلها، وإلا لقال فيها أنها غرائب أو غريبة بدل مناكير ومنكرة.




قال: (وقال أحمد في بُريد بن عبدالله بن أبي بردةSadيروي أحاديث مناكير)[15] وبُريد وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والترمذي وابن عدي، وتكلم فيه أبو حاتم الرازي والنسائي ولم يرو عنه القطان ولا ابن مهدي، وقال النسائي في رواية: ليس به بأس، وقال ابن حبان: يخطىء[16].








وقال ابن حجر: (احتج به الأئمة كلهم، وأحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة)[17].








وما أُخرج له في الصحيحين فكله عن أبيه عبدالله بن أبي بردة فتفرده عنه محتمل، ولعل أحمد استنكر بعض حديثه عن غير أبيه، وعلى أية حال فكلام بعض النقاد فيه دال على أنه ليس في الضبط والإتقان كمشاهير المتقنين المتفق على إمامتهم وجودة ضبطهم.








(النص الرابع): ثم قال ابن رجب: (وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو المنفرد برواية حديث (الأعمال بالنيات)[18]: (في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير أو قال منكرة)[19].








أما حديث (الأعمال بالنيات) فلا أعلم أحداً من فقهاء الأمة تخلف عن الاحتجاج به، وقد وصفه أحمد بأنه من أصول الإسلام، وقال: (ينبغي أن يبدأ به في كل تصنيف)[20].








ولا ندري على وجه التحديد ما الذي أنكره أحمد من حديث التيمي، وهل خولف في ذلك أم لا؟ ولا يستقيم الاستدلال إلا بنفي احتمال وجود مخالفات لتلك الأحاديث التي استنكرها أحمد، ولو كان كل تفرد من الثقة لا يقبل عنده لما احتج بحديث (النيات) مع تفرد التيمي به، لا سيما مع اتفاق النقاد أنه ليس للحديث إسناد صحيح إلا سند التيمي[21].








وقد قال ابن حجر في ترجمة التيمي: (المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له، فيُحمل هذا على ذلك، وقد احتج به جماعة)[22].








ولا يُظن أن معنى كلام ابن حجر أن أحمد يطلق المنكر على حديث غير مردود عنده، ولكن قصد الحافظ ابن حجر- فيما ظهر لي- أن هذا مذهب لأحمد وغيره من النقاد لا يقبلون الحديث الفرد ويسمونه منكراً، ولا يعنون بالمنكر ما استبقر تعريفه عند المتأخرين من تفرد الضعيف أو مخالفة من لا يحتج بحديثه لمن هو أولى منه، وهذا هو الراجح عند ابن حجر ولذا نبَّه على اصطلاح أحمد ليبين أنه غير راجح عنده.








(النص الخامس): ثم قال ابن رجب: (وقال في زيد بن أبي أُنيسةSadإن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث).








قال الأثرم: قلت لأحمد: (إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب، قال: نعم وهؤلاء الثلاثة-يعني بُريداً والتيمي وابن أبي أُنيسة- متفق على الاحتجاج بحديثهم في الصحيح، وقد استنكرها أحمد ما تفردوا به)[23].








أقول كما قلت سابقاً: هذا الاستدلال لا يصح إلا بعد إثبات أن أحمد لم يستنكر تلك الأحاديث إلا لمجرد التفرد فقط، ولا توجد مخالفات أو قرائن أوجبت في نظره استنكار تلك الأحاديث، وصاحبا الصحيح ينتقيان أحاديث الرواة ولا يحتجان بكل مروياتهم كما هو معلوم ومشتهر، فيقوم احتمال أنهما لم يحتجا بكثير من تلك الأحاديث التي استنكرها أحمد لأولئك الرواة.








وزيد بن أبي أنيسة لم يحتج به البخاري في الأصول إنما ذكره في موضع واحد في المتابعات[24]، وفي موضع آخر ذكر روايته عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً في التفسير[25]، وأما مسلم فقد احتج به في عدة أحاديث.








وظاهر النقولات عن الإمام أحمد أنه يراه وسطاً ليس بثقة متقن، فقد سأله المروذي عنه فحرك يده وقال: (صالح، وليس هو بذاك)[26].








وروى عنه أبو داود أنه قال فيه: (ليس به بأس)[27].








فلعل أحمد لكونه يراه لا يخلو من بعض النقص في ضبطه استنكر بعض تفرداته التي لا تحتمل لمثله.








(النص السادس): ثم قال ابن رجب: (وكذلك قال في عمرو بن الحارثSadله مناكير)، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مخلد، وفي جماعة خُرج لهم في الصحيح بعض ما يتفردون به)[28].








ونص عبارة الإمام أحمد في عمرو بن الحارث توضح أنه لم يستنكر بعض حديثه للتفرد فقط كما يوهم كلام الحافظ ابن رجب، فقد ذكر الأثرم: (عن أحمد: عمرو بن الحارث فحمل عليه حملاً شديداً، قالSadيروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها ويخطئ)[29].








وقال أيضاً: (ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث بن سعد، لا عمرو بن الحارث ولا أحد، وقد كان عمرو بن الحارث عندي ثم رأيت له أشياء مناكير)[30].








فسبب الاستنكار واضح في النص الأول أنه بسبب الاضطراب والخطأ.








وأما الحسين بن واقد فالظاهر أن أحمد لا يراه في مرتبة الثقة المتقن فقد سئل عنه فقال: (ليس بذاك)[31]، وقال: (في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي، ونفض يده)[32].








وأنكر أحاديثه عن عبدالله بن بُريدة، وذلك فيما يظهر لي لكثرة تفرداته عنه، ولأنه لا يُحتمل له مثل ذلك لعدم بلوغه مرتبة الثقة المتقن الذي يقبل تفرده ولو لم يخالف.








وأما خالد بن مخلد القَطَواني فهو كذلك مرتبته لا تصل لمرتبة الثقة المتقن، وقد تكلم عدد من النقاد فيه[33]، وقد سرد الذهبي جملة من تفرداته التي خالف فيها من هو أولى منه في الحفظ والإتقان مما يدل على وجود شذوذات في بعض مروياته، ثم ذكر الذهبي حديثه الذي أخرجه البخاري (من عادى لي ولياً...)[34]، ثم قال: (فهذا حديث غريب جداً، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه...)[35].








فالظاهر أن أحمد استنكر بعض تلك الأحاديث الشاذة التي خولف فيها، ولهذا لم يقبل بعض تفرداته لأنه ليس في حكم من يحتمل له التفرد في كل ما رواه ولو لم يخالف كما هو حال مشاهير المتقنين الأثبات كشعبة والثوري وغيرهما.








والخلاصة التي انتهى إليها الحافظ ابن رجب صاغها في قوله: (فتلخص من هذا أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان، والإمام أحمد، والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة وكذلك الشذوذ كما حكاه الحاكم.








وأما الشافعي وغيره فيرون أن ما تفرد به ثقة مقبول الرواية، ولم يخالفه غيره؛ فليس بشاذ، وتصرف الشيخين يدل على مثل هذا المعنى)[36].








ولكن فيما أطلقه بعض النظر خاصة في حق الإمام أحمد، وكذا القطان كما ظهر لي من نصوصه السابقة، أما البرديجي فظاهر كلامه الذي نقله ابن رجب يحتمل الإطلاق.








والذي أراه على ضوء ما ساقه ابن رجب من نصوص عن القطان والإمام أحمد أن إطلاق القول بأن النكارة لا تزول عندهما إلا بالمتابعة فيه نظر، والأصل عند نقاد المحدثين أن الراوي الثقة المتقن حديثه صحيح معمول به ولو لم يتابع، وما ورد في بعض النصوص من تكلم في بعض تفردات الثقات فهو راجع لأحد أسباب ثلاثة:




1- المخالفة سنداً أو متناً ممن هو أولى صفة أوعدداً، كما وضحته في بعض النصوص السابقة عن القطان والإمام أحمد، ودرجات المخالفة تتفاوت من حيث القوة.








2- أن لا يكون ذلك الراوي ثقة عند ذلك الإمام وإنما دون ذلك، وإن كان ثقة عند نقاد آخرين، كما وضحته أيضاً في بعض النصوص السابقة.








3- وجود قرينة من القرائن التي تبعث الشك في ضبط الثقة للحديث الذي انفرد به.








ومن المآخذ المنهجية على الحافظ ابن رجب في أسلوب استدلاله على دعواه، أنه أورد نصوصاً جزئية محدودة العدد ثم بنى عليها قولاً عاماً شديد العمومية، ولا يصح في ميزان النقد العادل مثل ذلك، بل الواجب في مثل هذه الدعاوى العامة مراعاة النصوص التي قَبِل فيها القطان والإمام أحمد تفرد الثقة وإن لم يُتابع، كقول أحمد لما سئل: (من تابع عفان-بن مسلم- على حديث كذا وكذا؟ قال: وعفان يحتاج إلى أن يتابعه أحد.؟!)[37]، فهذا النص وما يشبهه، بالإضافة للأحاديث التي حكم عليها الإمام أحمد مثلاً بالغرابة ولم يستنكرها، وكذا ما استحسنه من أحاديث أفراد ولم يطعن فيها، كل ذلك موجب لعدم الأخذ بالتعميم والإطلاق الذي صاغه الحافظ ابن رجب في صورة تحرير لمحل النزاع، ولعله فطن في كتابه (فتح الباري) إلى عدم دقة إطلاقه فقيده بـ"إذا كان الثقة ليس بمشتهر بالحفظ والإتقان) كما تقدم آنفاً.








وأما من كان دون مرتبة (الثقة) كالصدوق ومن في حكمه، فقد وجد للإمام أحمد ولغيره من النقاد نصوص تدل على عدم قبول بعض ما ينفرد به أولئك، لا سيما إذا كان تفردهم عن رواة ثقات لهم أصحاب ملازمون لهم قد أكثروا عنهم كما في النص الآتي.








(النص السابع): سئل الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن أبي المَوَال المدني فقال: (عبدالرحمن لا بأس به، كان محبوساً في المُطْبَق[38] حيث هزم هؤلاء، يروي حديثاً لابن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستخارة، ليس يرويه أحد غيره، هو منكر. قلتُ: منكر؟ قال: نعم، ليس يرويه غيره، وأهل المدينة إذا كان حديث غلط يقولون: ابن المنكدر عن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت عن أنس، يحيلون عليهما)[39].








ففي هذا النص تصريح واضح وجلي أن الإمام أحمد استنكر هذا الحديث لأن راويه عنده في مرتبة (لا بأس به) ولا يحتمل له أن ينفرد عن محمد بن المنكدر المحدث المشهور بحديث في صلاة الاستخارة مع كثرة الحاجة لاستعمالها كما في لفظ الحديث نفسه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها..)، فعد تفرد مثل هذا منكراً مع أنه لم يُخالف.




وقد ذهب الإمام البخاري إلى صحة الحديث فأخرجه في صحيحه[40] عن ابن أبي الموال، وذكر له الحافظ ابن حجر عدة شواهد[41]، وكذا أشار ابن عدي[42] إلى أن له شواهد من طرق أخرى عن غير جابر-رضي الله عنه-.








(النص الثامن): قال الأثرم: (قال أبو عبدالله في حَرَمي بن عُمارة كلاماً معناه: أنه صدوق، ولكن كانت فيه غفلة، فذكرت له عن علي بن المديني عن حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس: (من كذب..) فأنكره.








وقال: علي أيضاً حدَّث عنه حديثاً آخر منكراً في الحوض عن حارثة بن وهب، فقلت: حديث معبد بن خالد؟ قال: نعم




[فقلت][43]: ترى هذا حقاً؟ فتبسم كالمتعجب)[44].








قال العقيلي: (أنكرهما من حديث شعبة، وهما معروفان من حديث الناس)[45] فتفرد من هو في مرتبة (صدوق) بما لا يحتمل له يعده أحمد منكراً؛ لأنه تفرد عن شعبة من المعروف مدى عناية عدد من كبار الحفاظ من تلامذة شعبة بحديث شيخهم مع ملازمتهم له السنين الطوال كعبدالرحمن بن مهدي وغُندر ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم.








وحديث حرمي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة مرفوعاً في(الحوض)، أخرجه الشيخان[46] وذكرا متابعة ابن أبي عدي لحرمي.








وحديثه عن شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعاً: (من كذب علي.)، رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة من عتاب عن أنس[47].








وكما هو ظاهر كلام العقيلي فإن إنكار أحمد لجزئية التفرد عن شعبة وليس إنكاراً للمتن أيضاً.








وقد وقفت على عدة نصوص أخرى غير ما تقدم ولكن بعد دراستها ترجح لي أن الراوي المنفرد قد خولف فيما رواه، ولذلك تركتها لأنها ليست على شرطنا فمن ذلك مثلاً قول أحمد: (محمد بن ثابت العبدي، ليس به بأس، لكن روى حديثاً منكراً في التيمم، لا يتابعه أحد)[48]. وقد ذكر البخاري والعقيلي أنه خولف ممن هو أولى منه[49].








وغير ذلك كثير مما وقفتُ عليه ولم أُدخله هنا، كما أنني أيضاً لم أذكر بعض النصوص التي اتضح لي أن أحمد استنكرها لوجود قرينة وإن كانت لا ترقى لمستوى المخالفة الصريحة، ولكنها تبعث الشك، ومن ذلك على سبيل المثال: حديث محمد بن عبدالله الأنصاري- وهو ثقة[50]- عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباسSadاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم)، فقد أنكره الإمام أحمد وغيره[51]، والسبب كما وضحه بعضهم[52] أن المحفوظ عن حبيب حديثه عن ميمون عن يزيد بن الأصمSadأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال)[53]، ووهم الأنصاري فيه لأن المحفوظ عن حبيب بن الشهيد حديث زواج المحرم عندما يتحلل، وليس احتجام المحرم الصائم، كما أنه ليس في الكتب الستة ومسند أحمد رواية ثابتة لحبيب عن ميمون إلا حديث زواج ميمونة فقط، مما يقوي احتمال خطأ الأنصاري، لأن الثقات إنما رووا لحبيب عن ميمون حديثاً واحداً فقط، فتفرده بمتن آخر يوجب الشك.








والأمثلة على ذلك عديدة، والمقصود إثبات أن الإمام أحمد استنكر بعض تفردات من هم في مرتبة (الصدوق) وما في حكمها، ولو لم يخالفوا إذا كان تفردهم غير محتمل كما بينا في النصين السابع والثامن، ولا أُعمم ذلك في كل تفرد بل ذلك مقيد بأن يكون التفرد غير محتمل، وذلك لأني وجدته رحمه الله قد قبل بعض تفردات من كان في تلك المرتبة كما سيأتي ذكره في المطلب القادم.







ثالثاً: أبو حاتم الرازي.




سبق أن ذكرنا في المبحث السابق عدة نصوص عن أبي حاتم الرازي تدل على عدم احتجاجه بمن يقول فيه (صدوق) ومن في حكمه، كما وجدناه قد قبل وقوى بعض ما تفرد به أصحاب هذه المرتبة.








وله نصوص كثيرة جداً في كتاب (العلل) لابنه دالة على أنه يستنكر بعض تفردات الرواة ممن هم في نظره لم يبلغوا درجة من يقبل ذلك منهم، وقد ذكرنا سابقاً أن الحجة في اصطلاحه ليست كما عند الآخرين لما عرف من تشدده رحمه الله.








وفيما يلي بعض النصوص الدالة على مذهبه في ذلك:




(النص الأول): قال ابنه: (سألتُ أبي عن حديث رواه بُرد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم(أنه كان يصلي فاستفتحت الباب، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ففتح الباب ومضى في صلاته)[54].








قلت لأبي: ما حال هذا الحديث؟




فقال أبي: لم يرو هذا الحديث أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم غير بُرْد"، وهو حديث منكر، ليس يحتمل الزهري مثل هذا الحديث، وكان بُرد يرى القدر[55].








وبُرد قال فيه أبو حاتم: (كان صدوقاً)[56]، ووثقه ابن معين[57]، وقال أبو زرعة: لا بأس به[58].








فعد أبو حاتم تفرد هذا الصدوق عن الزهري منكراً مع أنه لم يخالف غيره، وحكم عليه الشيخ الألباني[59]- رحمه الله- بالحسن لذاته لأنه يحسن تفرد الصدوق، وأبو حاتم يرى أن هذا التفرد عن الزهري في جلالته وكثرة الملازمين له لا يُحتمل، وإلا فأين كان أصحاب الزهري المكثرين عنه عن هذا الحديث؟!




(النص الثاني): قال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.








فقال: قد اختلفوا في متنه، رواه قطن والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسُنة)، ورواه شعبة والمسعودي عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا: (أعلمهم بالسنة).








قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حُسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث، يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد.








قال أبي: شعبة أحفظ من كلهم.








قال أبو محمد: أليس قد رواه السُدي عن أوس بن ضمعج؟




قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السُدي وهو شيخ، أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟ وأخاف أن لا يكون محفوظاً)[60].








وحديث إسماعيل بن رجاء هذا صححه مسلم وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم[61]، وقد وثقه أبو حاتم[62]، ومع ذلك توقف هنا عن حديثه لما تفرد بحكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يخالف، والاختلاف في المتن إنما هو في زيادة عبارة فقط وليس اضطراباً كما هو صريح كلامه.








ولما ذكر له ابنه أن إسماعيل بن عبدالرحمن السُدي قد تابع إسماعيل بن رجاء لم يقبل هذه المتابعة لأنها من رواية الحسن بن يزيد مع أنه لما سئل عنه قال: (لا بأس به)[63]، وعلل عدم قبوله لروايته بقوله: (أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث) أي لماذا لم يروياه عن السدي؟ وإنما رواه شعبة عن إسماعيل بن رجاء فقط ولو كان عند السُدي لرواه عنه أيضاً ولما تهيب حديث ابن رجاء.





ولا شك أن عدم قبول أبي حاتم لحديث إسماعيل بن رجاء تشدد خالفه فيه عدد من الأئمة كمسلم وابن خزيمة وغيرهما ممن احتج بهذا الحديث وعمل به.

ويظهر من هذا النص بجلاء أن أبا حاتم يتوقف في تفرد بعض من يوثقه ولم يخالف، وعلى هذا فتفرد الصدوق ومن في حكمه بحكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب التوقف أو النكارة عنده من باب أولى.




(النص الثالث): وقال ابن أبي حاتم: (وسمعت أبي يقول: طَلْق بن عم حفص بن غياث، وهو كاتب حفص بن غياث[64]، روى حديثاً منكراً عن شريك وقيس- ابن الربيع- عن- أبي حَصين عثمان بن عاصم- عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلمSadأَدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)[65].








قال أبي: ولم يرو هذا الحديث غيره)[66].




وطلق أخرج له البخاري في صحيحه، ووثقه العجلي وابن نمير وابن حبان والدارقطني[67]، وقال أبو داود: (صالح)[68]، ولم أجد لأبي حاتم فيه كلاماً.








واستنكر أبو حاتم حديثه هذا لتفرده به، ولم يستنكره لضعف شريك أو قيس بن الربيع، وعلة الإنكار-فيما أظن- لأن هذا الحديث غير معروف عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا بهذا السند، ولو كان ثابتاً لرواه الثقات عن أبي صالح.








وقد حكم الشيخ الألباني[69]- رحمه الله- على السند السابق بأنه حسن لمتابعة قيس لشريك فيه، وصحيح لغيره لشواهده الأخرى، ولم يتكلم في تفرد طلق به.

وعلى أية حال فالشواهد كثيرة على أن أبا حاتم يكثر من التوقف والاستنكار لتفردات من هم دون مرتبة الثقة، وفيما ذكر آنفاً نماذج على ذلك، ولمن رغب في الزيادة فعليه بكتاب (العلل) لابنه ففيه من النصوص المؤكدة لذلك ما يرضي يقين الباحث.








[1] شرح العلل (1/ 451).




[2] العلل للميموني (ص229).




[3] شرح العلل (1/ 415-416).




[4] الجرح التعديل (5/ 46)، تهذيب الكمال (41/ 473).




[5] أخرجه البخاري (2535، 6756)، ومسلم (1506).




[6] أخرجه البخاري (6757)، ومسلم (1504).




[7] تهذيب التهذيب (5/ 202).




[8] موطأ مالك (940)، وصحيح البخاري (294)، وصحيح مسلم (1211) ورواه مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وعن الزهري عن عروة عنها رضي الله عنها.




[9] شرح العلل (1/ 451).




[10] مسائل عبدالله (ص51)، شرح العلل (1/ 454-455).




[11] تهذيب الكمال (6/ 396).




[12] أخرجه الترمذي (150)، والنسائي (1/ 263)، وابن حبان في صحيحه (4/ 335)، والحاكم (1/ 195-196).




[13] جامع الترمذي (1/ 283).




[14] فتح الباري (4/ 174).




[15] شرح العلل (1/ 455). وكلام أحمد في العلل لعبدالله (2/ 11).




[16] تهذيب التهذيب (1/ 431-432).




[17] هدي الساري (ص412).




[18] أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) وغيرهما.




[19] شرح العلل (1/ 455)، وكلام أحمد في العلل لعبدالله (1/ 566).




[20] جامع العلوم والحكم (1/ 61) بتصرف يسير.




[21] جامع العلوم والحكم (1/ 60).




[22] هدي الساري (ص459).




[23] شرح العلل (1/ 455-456).




[24] صحيح البخاري (1953).




[25] صحيح البخاري (8/ 418).




[26] العلل للمروزي (ص85).




[27] سؤالات أبي داود (ص279).




[28] شرح العلل (1/ 456).




[29] تهذيب الكمال (21/ 573).




[30] تهذيب الكمال (21/ 573).




[31] العلل للمروزي (ص96).




[32] تهذيب التهذيب (2/ 374).




[33] تهذيب التهذيب (3/ 117-118)، والميزان (1/ 640-642).




[34] أخرجه البخاري (6502) في كتاب الرقاق باب التواضع.




[35] الميزان (1/ 641).




[36] شرح العلل (1/ 462).




[37] تاريخ بغداد (12/ 274).




[38] المطبق: اسم سجن في بغداد، انظر تاريخ بغداد (10/ 227)، (7/ 151)، (8/ 116)، (10/ 20).




[39] الكامل لابن عدي (4/ 1616).




[40] صحيح البخاري (6382).




[41] فتح الباري (11/ 187).




[42] الكامل لابن عدي (4/ 1616).




[43] زيادة يقتضيها السياق.




[44] الضعفاء للعقيلي (1/ 270).




[45] الضعفاء للعقيلي (1/ 270).




[46] صحيح البخاري (6591)، مسلم(2298).




[47] مسند الطيالسي (2084)، وأما حديث حرمي فقد أخرجه أحمد في المسند (3/ 287) وأبو يعلى في مسنده (5/ 288).




[48] سؤلات أبي داود (ص339).




[49] التاريخ الكبير (1/ 51)، والضعفاء للعقيلي (4/ 39).




[50] انظر تهذيب الكمال (25/ 542-543).




[51] العلل لعبدالله (1/ 320) حقيقة الصيام لابن تيمية (ص93).




[52] تاريخ بغداد (5/ 409-410).




[53] أخرجه مسلم في صحيحه (1411).




[54] رواه أبو داود (922) والترمذي (601) والنسائي (3/ 11)، والبيهقي (2/ 265).




[55] العلل لابن أبي حاتم (1/ 164-165).




[56] الجرح والتعديل (2/ 422).




[57] الجرح والتعديل (2/ 422).




[58] الجرح والتعديل (2/ 422).




[59] إرواء الغليل (2/ 108).




[60] العلل (1/ 92).




[61] صحيح مسلم (673)، صحيح ابن خزيمة (1507)، صحيح ابن حبان (5/ 500، 505، 516).




[62] الجرح والتعديل (2/ 168).




[63] المرجع السابق (3/ 43).




[64] هكذا في الأصل، وفي تهذيب الكمال (13/ 456): (وكان كاتب شريك بن عبدالله النخعي).




[65] أخرجه أبو داود (3535)، والترمذي (1264).




[66] العلل (1/ 375).




[67] تهذيب التهذيب (4/ 34).




[68] مصدر سابق (4/ 34).




[69] السلسلة الصحيحة (1/ 708).


الموضوع الأصلي : تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3) // المصدر : منتديات واحة الإسلام // الكاتب: wissam
التوقيع: wissam



تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3) 2410


السبت يونيو 20, 2020 1:00 am
المشاركة رقم: #
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
Admin
الرتبه:
Admin
الصورة الرمزية

منارة الاسلام

البيانات
عدد المساهمات : 2909
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 14/08/2016

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:

مُساهمةموضوع: رد: تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3)


جزاكم الله خيرا ونفع بكم
ولاحرمكم الاجر والثواب
دمتم بحفظ الكريم







التوقيع: منارة الاسلام



تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف(3) 635061411




الإشارات المرجعية


التعليق على الموضوع بواسطة الفيس بوك

الــرد الســـريـع
..


مواضيع ذات صلة


تعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة




 ملاحظة: جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ , ولا تعبّر بأي شكل من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى



language  

Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2020, Jelsoft Enterprises Ltd
تحويل و برمجة الطائر الحر لخدمات الدعم الفني و التطوير