علم الاجرام هو علم حديث النشأة شأنه في ذلك شأن العلوم المتصلة بدراسة الانسان التي لم تتطور الا بتطور المنهج العلمي التجريبي في دراسة الظواهر الاجتماعية والبحث في حقائق الحياة
لكن هذا لا ينفي وجود بعض الاشارات التي وجدت في كتب الاقدمين يستدل منها على ان لهذا العلم تاريخ موغل في القدم يرجع الى ابيقراط وسقراط وارسطو حيث ذهب هؤلاء في تحليلهم لشخصية المجرم الى ان مرتكب الجريمة يتصف بنفس منحرفة نتيجة عيوب خلقية وجسمية في اوائل القرن التاسع عشر نادى عالم الاجتماع اوجست كومت بضرورة اتباع المنهج العلمي التجريبي في دراسة الظواهر الاجتماعية ولما كانت الجريمة من اهم هذه الظواهر لذا فان البحث في اسبابها كان من اوائل الموضوعات التي لفتت انتباه علماء الاجتماع اليها فظهرت مدرسة البيئة او الوسط الاجتماعي الفرنسية – البلجيكية ومن روادها كيتليه وجيري وتاردوسالي ولاكاساني
فاصدر العالم الفرنسي جيري كتابا بعنوان (بحث في التوازن الادبي)تضمن احصائيات الجرائم في فرنسا و بحث اثر بعض العوامل الفردية والاجتماعية على الجريمة كما قارن بين احصائيات الجرائم بين فرنسا وانكلترا في مؤلف آخر . وقد توصل الى ان ظاهرة الاجرام تتكرر سنويا وانه لاتوجد صلة بين بين الجريمة والفقر ولاتوجد صلة بين الجهل والجريمة
واصدر كتليه في بلجيكا مؤلف بعنوان (الانسان وتطور ملكاته) ضمنه دراسة بعض العوامل الفردية والاجتماعية على الجريمة مثل الجنس والطقس ووزع المجتمعات الى فئات بحسب السن والنوع على اساس السلوك الاجرامي واهتم بالاحصائيات الجنائية حتى انه يعتبر المؤسس لعلم الاحصاء الجنائي وانتهى الى ان الظاهرة الاجرامية بوصفها ظاهرة اجتماعية تخضع لقواعد عامة تحكمها شان الظواهر الطبيعية وركز عدد كبير من العلماء جهودهم على دراسة العوامل الاجتماعية للجريمة مثل جابريل تارد وهو من انصار مدرسة ليون الذي يذهب الى ان المجرم يكون ضحية يائسة للنظام الاجتماعي والاقتصادي القائم وعليه يحل الخطأ الجماعي محل الخطأ الفردي
ويعد اميل دوركايم مؤسس المدرسة الحديثة لعلم الاجتماع القانوني ومن انصار مدرسة الوسط الاجتماعي الذي عني بكل اشكال الروابط الاجتماعية وصلتها بالجريمة مهما اختلفت انظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد اعطت هذه المدرسة للمجتمع الدور الاساس في تحقيق الظاهرة الاجرامية لعدم قيامه بالاعباء الملقاة على عاتقه في تربية الفرد وتهذيبه وقد انتقدت هذه النظرية لمغالاتها بالاعتداد بالعوامل الاجتماعية. في النصف الثاني من القرن التاسع عشرظهرت المدرسة الايطالية التي تبحث في التكوين الجسماني للمجرم وكان الرائد الاول لها سيزاري لومبروزو الذي اجرى العديد من البحوث وضمنها في كتابه (الانسان المجرم) وتوصل الى ان هناك صفات مشتركة بين المنحرفين تتمثل بالبدائية والهمجية انتقلت لهم بالوراثة وقد لاقت هذه الافكار الانتقاد فحاول احد تلامذته ادخال تعديلات وظهرت المدرسة الايطالية الجديدة بزعامة انريكوفري وتوصل الى ان الجريمة خلاصة ثلاثة عوامل وهي عوامل انثروبولوجية وعوامل اجتماعية وعوامل طبيعية ولاقت هذه النظرية مردودها لدى كافة التشريعات
ثم ظهرت في النمسا نواة لعلم الاجرام بجهود الاستاذ هانز جرونس استاذ القانون الجنائي في جامعة جوانز حيث قام بانشاء المعهد الاجرامي من اجل دراسة جميع نظريات علم الاجرام وافتتحت كلية الحقوق بجامعة ستوكهولم معهد للعلوم الجنائية وانشأت الجمعية الدولية الاجرام لعلم الاجرام وانشأت مدرسة لعلم الاجرام الاكلينكي في روما وعقدت العديد من المؤتمرات الدولية وعلى الصعيد العربي انشأ المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة وآخر في بغداد .