لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
بقلم: محمد شعبان أبو قرن الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
محمد r.. لولاه لهلكنا ومتنا على الكفر، واستحققنا الخلود في النار.. به عرفنا طريق الله، وبه عرفنا مكائد الشيطان.. شوقَنَا إلى الجنة، ما من طيب إلا وأرشدنا إليه، وما من خبيث إلا ونهانا عنه، ومن حقه علينا أن نحبه؛ لأنه:
يحشر المرء مع من أحب
جاء أعرابي إلى النبي r فقال: متى الساعة ؟! قال رسول الله r: "ما أعددت لها؟" قال: إني أحب الله ورسوله. قال: "أنت مع من أحببت". بهذا الحب تلقى رسول الله r على الحوض، فتشرب الشربة المباركة الهنيئة التي لا ظمأ بعدها أبدًا.
أبشر بها يا ثوبان
قال القرطبي: كان ثوبان مولى رسول الله r شديد الحب له، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له النبي r: "ما غير لونك؟!" قال: يا رسول الله، ما بي ضر ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك؛ لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وأنى إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل لا أراك أبدًا. فأنزل الله U قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
رحم الله ثوبان! حاله مع رسول الله r كما قال الشاعر:
الحـزن يحرقـه والليل يقلقه *** والصبر يسكتـه والحـب ينطقه
ويستر الحال عمـن ليـس *** يعذره وكيف يستره والدمع يسبقه
الرحمة المهداة
قال U: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
لولاه لنزل العذاب بالأمة.. لولاه لاستحققنا الخلود في النار.. لولاه لضعنا. قال ابن القيم في جلاء الأفهام: "إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته؛ أما أتباعه: فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة. وأما أعداؤه المحاربون له: فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم؛ لأن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم. وأما المعاهدون له: فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرًّا بذلك العهد من المحاربين له.
وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم واحترامها، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوراة وغيرها. وأما الأمم النائية عنه: فإن الله U رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض. فأصاب كل العاملين النفع برسالته".
لطيفة
قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي r، فإنه قال فيه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]. وقال في نفسه: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].
اصبـر لكل مصيبـة وتجلد *** واعلـم بأن المـرء غير مخـلـد
واصبر كما صبر الكرام فإنها *** نوب تنوب اليوم تكشف في غـد
وإذا أتتك مصيبة تبلى بـها *** فاذكر مصـابك بالنبـي محمـد
الجماد أحبه.. وأنت؟!
لما فقده الجذع الذي كان يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حنَّ إليه، وصاح كما يصيح الصبي، فنزل إليه فاعتنقه، فجعل يهذي كما يهذي الصبي الذي يسكن عند بكائه، فقال r: "لو لم أعتنقه لحنَّ إلى يوم القيامة".
كان الحسن البصري إذا حدَّث بهذا الحديث بكى وقال: "هذه خشبة تحنُّ إلى رسول الله r، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه".
ما أشد حبه لنا!!
تلا النبي r قول الله U في إبراهيم u: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]. وقول عيسى u: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]. فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي، أمتي". وبكى، فقال الله U: "يا جبريل، اذهب إلى محمد فسله: ما يبكيك؟" فأتاه جبريل u فسأله، فأخبره النبي r بما قال، فأخبر جبريل ربه وهو أعلم، فقال الله U: "يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".
حتى لا تكون فاسقًا
قال الله في سورة التوبة -التي سميت بالفاضحة والمبعثرة؛ لأنها فضحت المنافقين وبعثرت جمعهم-: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
قال القاضي عياض: "فكفى بهذا حضًا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها r، إذ قرع الله من كان ماله وولده وأهله أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسَّقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن أضل ولم يهده الله".
كمال الإيمان في محبته
قال r: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". قد تمر علينا هذه الكلمات مرورًا عابرًا لكنها لم تكن كذلك مع رجل من أمثال عمر بن الخطاب t الذي قال: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي r: "لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال عمر: فإنه الآن والله، لأنت أحب إليَّ من نفسي. فقال النبي r: "الآن يا عمر".
قال الخطابي: "فمعناه أن تصدق في حبي حتى تفنى نفسك في طاعتي، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك".
آخذ بحجزنا عن النار
عن أبى هريرة t قال: قال رسول الله r: "مثلي كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها".
ما أشد حب رسولنا لنا! ولأنه يحبنا خاف علينا من كل ما يؤذينا، وهل أذى مثل النار؟! ولما كان الله U قد أراه النار حقيقة كانت موعظته أبلغ، وخوفه علينا أشد؛ ففي الحديث: "وعرضت عليَّ النار، فجعلت أتأخر رهبة أن تغشاني". وفى رواية أحمد: "إن النار أدنيت مني حتى نفخت حرها عن وجهي".
ولذلك كان من الطبيعي أنه "كان r إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم". ولأنه لم يرنا مع شدة حبه لنا وخوفه علينا، كان يود أن يرانا فيحذرنا بنفسه؛ لتكون العظة أبلغ وأنجح، قال r: "وددت أنى لقيت إخواني الذين آمنوا ولم يروني". ولم يكتف بذلك، بل لشدة حبه لنا اشتد إلحاحه لنا في أن نأخذ وقايتنا وجنتنا من النار.
منقول