عزة ـ محاسن أصرف: بدا الطفل إسماعيل كزهرة ذابلة، طوله لا يتجاوز المتر ووزنه لم يتعد الثلاثين كيلو جراماً إلا بقليل، على الأرض يمشي متثاقل الخطى محدودب الظهر، بينما صوته لا يخرج إلا همساً ليس خجلاً إنما مرض وضعف وهزال. إسماعيل لم يتجاوز من العمر 13 عاماً، من المفترض أن يكون جسده ضاجاً بالحياة والحيوية لكنه ليس كذلك والسبب مرض فقر الدم الذي أثمره سوء التغذية الناتج عن تردي أوضاع أسرته الاقتصادية، فوالده لا يملك عملاً يحقق له دخلاً يمكنه من توفير مقومات الحياة الأساسية لأطفاله الخمسة، وبات مؤخراً بعد إغلاق المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تمده بالإعانة الإغاثية لا يملك لهم قوت يومهم فقط ينتظر قدومه من أهل الخير من الأقارب والجيران الذين لا تخفي عليهم حالته الاقتصادية وحالة أطفاله المرضية حيث يعانون جميعاً من فقر الدم وسوء التغذية. ذلك ملمح من ملامح الحالة الصحية لأطفال القطاع والمزيد تتناقله الدراسات المحذرة من خطورة الوضع الصحي لأطفال القطاع، "لها أون لاين" عبر سطور التقرير التالي يرصد الأوضاع الصحية لأطفال القطاع وما يعانوه من أمراض تفاقمت حدة انتشارها بسبب الحصار الذي أثمر فقر أسرهم من جهة وافتقار المستشفيات الفلسطينية للأدوية والعلاجات اللازمة لإعانتهم على أمراضهم، تابع معنا..
فقر دم ونحول وضعف في مراحل النمو وأمراض أخرى تتعلق بالجهاز التنفسي، جميعها أمراض استحدثها الحصار وبات يعانيها الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة. عنها حدثنا عنها بالأرقام د. يونس عوض الله مسئول ملف الأطفال في الرعاية الأولية بوزارة الصحة، قائلاً:" نسبة الأطفال الذين توفوا بسبب الحصار ومنع قوات الاحتلال لهم من الخروج للعلاج بلغت حولي 35% من إجمالي عدد ضحايا الحصار المائتين"، وبحسب عوض الله فإن الحصار أثمر أمراضاً جديدة ومستحدثة عانى منها الأطفال في قطاع غزة حيث ارتفعت نسبة الأطفال المصابين بالربو نتيجة استخدام سائقي المركبات زيت الطهي لتشغيل مركباتهم في ظل منع دولة الاحتلال دخول الوقود إلى القطاع على مدار أشهر طويلة، وكانت نسبة الأطفال الذين عانوا من الأنيميا 70% بسبب عدم حصولهم على الفيتامينات والأغذية المتوازنة والكاملة نتيجة فقر أسرهم. فقر الدم وسوء التغذية لم تكن آثار الحصار على الأطفال قاصرة على الموت فقط، فقد ظهرت آثار أخرى دقت ناقوس الخطر لدى المؤسسات الطبية بفلسطين تمثلت في النسبة الهائلة لمن يعانون من سوء التغذية وفقر الدم لدى الأطفال نتيجة فقر أسرهم العاطلة عن العمل بسبب الحصار وعدم قدرتها أيضاً على توفير الغذاء المتوازن لأطفالها، ووفقاً للدراسات والأبحاث الطبية فإن نسبة 75% من الأطفال الفلسطينيين في عمر التسعة أشهر مصابين بفقر الدم، وأشارت وزارة الصحة في دراسة نشرتها مؤخراً أن 400 حالة مرضية من الأطفال رقدوا على أسرة الشفاء في مستشفيات القطاع نتيجة تدهور أوضاعهم الصحية بسبب نقص المستلزمات الطبية والأغذية اللازمة لعلاج أمراضهم بينما شهد العام الماضي ارتفاع عدد حالات الأطفال الوافدين إلى المستشفيات نتيجة إصابتهم بأمراض فقر الدم والكساح إلى 1600 حالة. من جانبها أوضحت منظمة "اليونيسيف" الناشطة في مجال حقوق الطفل أن أطفال غزة يعانون بسبب الحصار من نقص كبير في أربعة عناصر أساسية هي الحديد، وفيتامين A وفيتامين D ومادة الأيوداي "اليود" ما يفسر ارتفاع نسبة الأطفال المصابين بفقر الدم في القطاع، وأشارت المنظمة إلى أن 64% من أطفال القطاع يعانون من نقص في كمية الحديد و 22% يعانون من نقص في فيتامين A و15% يعانون من نقص في مادة اليود ما يؤثر على تفاصيل صحتهم، وأكدت المنظمة أن الآثار السلبية لهذه النسب تتجلى لدى طلاب المدارس حيث يبدون أقل استعداداً وقدرةً على التعلم وفقاً لمشاكلهم الصحية وتزداد الخطورة على مستقبلهم الصحي بضعف قدرتهم على التحدث وتأثر السمع إلى حدٍّ ما بالإضافة إلى ضعف المناعة وزيادة تعرضهم للأمراض وعدم قدرتهم على مواجهتها، وبحسب تقرير المنظمة فإن فقر الدم الناتج عن نقص الحديد يؤثر على نمو الأطفال فتجدهم يعانون من قصر القامة كما ويضعف أدائهم في المدرسة فيعانون من ضعف الإدراك والذكاء. 300مريض دم وأورام في مستشفى الأطفال بغزة لا يمكنك أن ترى سريراً فارغاً من طفل يئن وجعاً يستجدي ضميراً عربياً أن ينقذه من ألم الحصار وظلم الاحتلال، هناك تتراوح حالات المرضى الأطفال بين بسيطة وخطيرة وأخرى على حافة الموت هم 300 طفل مصاب بأمراض الدم والأورام السرطانية ينتظرون على قائمة الموت بفعل الإغلاق وحرمانهم من السفر لتلقي العلاج.. أكد على ذلك د. أنور الشيخ خليل مدير مستشفى الأطفال بغزة، قال:"أن الحصار أثمر تدهوراً خطيراً على حالات الأطفال الذين يعانون من أمراض الدم والأورام السرطانية" فالعشرات رقدوا في ظلمة القبور ومازالت القائمة بانتظار المزيد خاصة في ظل منع دخول المستلزمات الطبية والعلاجات والغذاء الصحي اللازم، لافتاً إلى حالة النقص الشديد الذي تعانيها المستشفى في المستلزمات الطبية وقطع الغيار حيث تفتقر المستشفى إلى وجود حاضنات خاصة برعاية الأطفال حديثي الولادة ما يهدد حياتهم بالخطر ويتابع من أصل 24 حاضنة لا تعمل إلا 15 حاضنة بشكل كامل و 7 حاضنات تعمل بشكل جزئي، فيما أشار د. عوض الهلول أخصائي الدم والأورام إلى حالة النقص الشديد التي يعانيها القسم في العديد من الأدوية الكيماوية الضرورية لتشبث الأطفال المرضى بالحياة مؤكداً أن عدم تناول الأدوية والعقاقير الكيماوية في مواعيدها المحددة وفق خطة العلاج الكيماوي تؤثر على المريض من حيث إمكانية الشفاء بالإضافة تزايد فرص الانتكاسة وتجدد المعاناة بشكل مضاعف من المرض. ثلث الضحايا من الأطفال مائتين من المرضى الفلسطينيين راحوا ضحايا للحصار المفروض على قطاع غزة بينهم أكثر من 35 طفلاً أي ثلث الضحايا تقريباً، الاحتلال حرمهم من السفر للخارج لتلقي العلاج وفي وطنهم حرمهم من الحصول على الدواء الشافي لعللهم نتيجة افتقار المستشفيات له بفعل إغلاق المعابر وخنق القطاع في عنق زجاجة آذنت على الانفجار.. بالأمس رحلت آيات أنور.. خطوط عمرها لم تتعد الثمانية أشهر، لكنها رحلت والسبب لا يعدو منعها من السفر ونقص الدواء في مستشفيات القطاع، الطفلة منذ ولادتها عانت من أمراض وتشوهات بالقلب كان من الممكن علاجها بإذن الله إذا ما أتيحت لها فرصة العلاج بالخارج أو توفر الدواء والإمكانيات في مستشفيات القطاع لكن الله قضى أمراً كان مفعولاً، وقبلها رحل عشرات الأطفال لذات السبب لم تستطع أجسادهم الغضة الرقيقة صبراً على آلامها فخمدت أنفاسهم بين ضلوعهم ووروا جمعياً الثرى.. الفقر من ناحيتها أرجعت روضة ناصر، حكيمة بمركز القدس الطبي بمدينة بيت حانون شمال قطاع غزة سبب ارتفاع نسبة فقر الدم وسوء التغذية لدى أطفال القطاع إلى حالة الفقر التي تعاينيها الأسرة الفلسطينية والتي باتت بفضل الحصار غير قادرة على تلبية أدنى مقومات الحياة لأفرادها وتكتفي فقط بما تحصل عليه من كابونات الإغاثة العاجلة التي توزعها الأونروا على اللاجئين الفلسطينيين شهرياً. وشددت ناصر على ضرورة التحرك السريع والفوري لرفع المعاناة عن كاهل الأطفال الفلسطينيين المحاصرين في القطاع مقترحة على مؤسسات الدعم الخيري أن تزود المواد الغذائية التي تمنحها للأسر الفلسطينية الفقيرة بمدعمات من الفيتامينات الضرورية لصحة الأطفال بالإضافة إلى توزيع أقراص الحديد على الأطفال لمساعدتهم على التخلص من الأمراض الناتجة عن نقصه في تركيب أجسامهم وكذلك توفير الأغذية الزاخرة بفيتامين "أ" و"د" واليود للأطفال وكذلك تقديم وجبات متوازنة في العناصر الغذائية، وشاركها الرأي الشيخ رمضان طنبورة رئيس جمعية الفلاح الخيرية، لافتاً إلى ضرورة توعية وتثقيف الأسر الفلسطينية بأضرار ومخاطر هذه الأمراض على صحة أطفالهم ومساعدتهم في توفير الغذاء المتوازن لأطفالهم بأقل الإمكانيات للنأي بهم عن خطر الإصابة بأمراض فقر الدم وسوء التغذية.
حصار غزة سلب "صحة " أطفالها! 
موضوع: حصار غزة سلب "صحة " أطفالها! 
